«مدونة منوعة تُقدّم مقالات، حقائق، أبحاث، ومراجعات أفلام وثائقية. محتوى قيم ومُرتّب يناقش مفاهيم في الثقافة، التعليم، والعلم بأسلوب جذّاب ومُوّثَق.

اخر الاخبار

الأحد، 3 أغسطس 2025

مشروع السودان الجديد : بناء مدن إدارية ذكية ثلاثية الأبعاد تعتمد على الطاقة النظيفة والمواصلات الحديثة



مشروع السودان الجديد : بناء مدن إدارية ذكية ثلاثية الأبعاد تعتمد على الطاقة النظيفة والمواصلات الحديثة

في ظل ما يشهده السودان من متغيرات سياسية واقتصادية وأمنية ، تبرز الحاجة إلى مشروع وطني سيادي كبير يعيد توزيع الكثافة السكانية والمراكز الإدارية بعيدًا عن الخرطوم ، ويؤسس لنهضة عمرانية حديثة ترتكز على التكنولوجيا ، والاستدامة ، والسيادة الوطنية في القرار والبناء .

تقوم الفكرة على إطلاق مشروع شامل لبناء مدن إدارية ذكية جديدة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D) ، مدن تعتمد كليًا على الطاقة النظيفة ، وتدار بأنظمة ذكية بالكامل ، ويتم ربطها بشبكات مترو أرضي وقطارات كهربائية ومركبات مواصلات صديقة للبيئة .

هذه المدن لن تكون مجرد امتداد عمراني ، بل مراكز إدارية واقتصادية جديدة تُبنى خارج إطار الخرطوم ، وتُدار من منطلق وطني غير تابع لأي نفوذ خارجي ، وبأيدٍ سودانية كاملة السيادة ، دون أي قروض ربوية ، أو استثمارات مشروطة ، أو شراكات مشبوهة .

الاعتماد على تقنية البناء ثلاثي الأبعاد يوفّر الوقت والتكلفة بنسبة تتجاوز 50٪ مقارنة بالبناء التقليدي ، ويسمح بتشييد مساكن وإدارات ومرافق عامة بسرعة كبيرة وبأقل قدر من العمالة . 

وهي تقنية أثبتت كفاءتها ويمكن تطويرها محليًا بالتعاون بين مراكز البحوث الوطنية والجامعات السودانية ، وربطها بخريجي كليات الهندسة والعمارة والفنيين .

أما الطاقة ، فسيتم الاعتماد بشكل كامل على الشمس والرياح والمياه الجوفية لتوفير الكهرباء والمياه ، مما يجعل هذه المدن مستقلة تمامًا عن الشبكات القديمة المنهكة ، ويقلل الانبعاثات الكربونية . 

ويمكن تصنيع الألواح الشمسية والمولدات الهوائية محليًا في مجمعات صناعية داخلية تدعمها كفاءات سودانية .


المواصلات ستكون جزءًا رئيسيًا من رؤية المشروع ، حيث سيتم إنشاء شبكة مواصلات كهربائية حديثة داخل المدن ، تربط الأحياء والمراكز الخدمية بخطوط مترو أرضية وقطارات سطحية ، مما يقلل الاعتماد على الوقود ويسهم في خفض التلوث وتسهيل التنقل .


المشروع يمكن أن يبدأ في أربع مناطق رئيسية :


1. مدينة إدارية شمالية في دنقلا ، تكون مركزًا إداريًا جديدًا للقطاع الشمالي .


2. مدينة إدارية وسطى في كوستي ، تكون مركزًا تجاريًا وخدميًا في قلب البلاد .


3. مدينة الفاشر الذكية ، كإعادة إعمار حضارية لدارفور في ثوب جديد .


4. مدينة زراعية صناعية في القضارف ، تدمج بين التقنيات الزراعية الحديثة والمرافق الذكية .

أما من حيث الصيغة التمويلية الوطنية ، فإنها تقوم على مصادر داخلية صرفة ، دون أي قروض ربوية أو شراكات أجنبية ، وتعتمد على :

تحويل جزء من عائدات الذهب والمعادن النادرة ، إصدار صكوك إنتاجية غير ربوية ، المشاركة الشعبية الطوعية ، تخصيص نسبة من التحويلات الخارجية لصندوق الإعمار ، وتشغيل الصناعات الوطنية .

والآن ، نأتي إلى الشق الإداري والدستوري ، وهو العمود الفقري لتحول هذه المدن إلى مراكز سلطة حقيقية ذات طابع دستوري لا مركزي :

أولًا – يجب النص صراحة في أي مشروع دستور دائم على أن العاصمة الإدارية للدولة "تكون مرنة وقابلة للنقل إلى أي مدينة جديدة تُعلن بمرسوم سيادي" ، مع ضمان عدم حصر مؤسسات السيادة والمركزية في الخرطوم ، وفتح المجال لتوزيعها جغرافيًا .


ثانيًا – تُنشأ هيئة دستورية مستقلة تُسمى "الهيئة الوطنية للمدن الإدارية السيادية" ، تكون مسؤولة عن التخطيط والإشراف على انتقال المؤسسات المركزية إلى هذه المدن الذكية الجديدة تدريجيًا .


ثالثًا – يصدر مرسوم دستوري ببدء المرحلة الانتقالية الإدارية ، ينص على نقل جزئي لعدد من الوزارات الخدمية والإنتاجية إلى المدينة الإدارية النموذجية الأولى ، مع تشكيل مجلس وزاري خاص بها ، على أن يتم ذلك خلال فترة لا تتجاوز ثلاث سنوات من إعلان اكتمال البنية الأساسية .

رابعًا – يُنقل مجلس الوزراء ، أو نصفه ، إلى إحدى المدن الإدارية الجديدة في المرحلة الثانية ، ويتم فيها إنشاء مقر دائم لعدد من الهيئات السيادية مثل وزارة التخطيط – وزارة الزراعة – المجلس الأعلى للمدن الذكية – المحكمة الدستورية .

خامسًا – يُفتح باب التوطين الإداري الطوعي للكوادر والموظفين ، عبر حوافز إسكانية وخدمية سخية لكل من ينتقل إلى العمل أو السكن في المدن الجديدة ، مما يخلق مجتمعات مدنية حديثة مستدامة .

سادسًا – تكون رئاسة الدولة ومؤسسات السيادة (رئاسة الجمهورية ، القيادة العامة ، المجلس السيادي) موزعة بين الخرطوم والمدن الإدارية الجديدة ، وفق جدول سنوي للتنقل ، يُعرف بـ"الدورة السيادية المتنقلة" ، لتكريس مفهوم التوازن الوطني في ممارسة السلطة .


سابعًا – يتم تضمين هذه الخطة في ملاحق الدستور أو الوثائق المرجعية للانتقال السياسي ، مع إشراف قضائي وشعبي دائم ، لضمان ألا تتحول هذه المدن إلى مشاريع موازية ، بل إلى بدائل وطنية مكتملة تعكس التنوع الجغرافي والسيادي .


بهذا النهج ، يتحول المشروع من مجرد عمران وبناء إلى تحول دستوري في بنية السلطة ، وتوزيع واقعي للمؤسسات يخرج السودان من مركزية منهكة عمرها أكثر من قرن ، إلى لامركزية ذكية تستوعب المستقبل .


إن السودان لا يحتاج فقط إلى إعادة بناء المدن ، بل إلى إعادة توزيع السلطة ، السيادة ، والكرامة ، وهذه المدن الذكية ليست مجرد طوب وأسمنت ، بل هي تجسيد لإرادة أمة تنفض عن نفسها غبار التمركز ، والوصاية ، والتبعية .


مدن ثلاثية الأبعاد ، بطاقة نظيفة ، بإرادة شعبية ، وتمويل وطني ، ودستور جديد ... هذه ليست أحلامًا ، بل هي خطوط سودان الغد .


-بقلم✍🏽: المهندس/ خالد مصطفى الصديق الفزازي

-خبير الإستراتيجية واقتصاد المعرفة 

-3 أغسطس  2025م 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق