يُعد طائر الهدهد من الطيور الفريدة التي تجمع بين الجمال والرمزية التاريخية والصفات البيئية المميزة. اسمه العلمي Upupa epops، وهو طائر صغير نسبيًا، إلا أن له مكانة كبيرة في الثقافة والدين والأساطير. يتميز الهدهد بشكله اللافت وريشه المزخرف وتاجه الريشي الجميل، كما أن له صوتًا مميزًا وسلوكًا فريدًا يجعله محط اهتمام علماء الطيور ومحبي الطبيعة.
الوصف الجسدي
الهدهد طائر متوسط الحجم، يتراوح طوله بين 25 إلى 29 سنتيمترًا، ويصل باع جناحيه إلى نحو 44 إلى 48 سنتيمترًا. أكثر ما يميزه هو تاج الريش المنتصب على رأسه، والذي يفتح ويغلق حسب حالته المزاجية أو أثناء الطيران. يتميز ريشه بلون بني فاتح أو وردي مائل للبرتقالي، مع أجنحة وذيل مخططة بالأبيض والأسود، ما يمنحه مظهرًا ملفتًا للنظر.
منقاره طويل ومنحنٍ للأسفل، يساعده على التقاط الحشرات من بين التربة أو الأشجار. عيونه سوداء لامعة، ويصدر صوتًا مميزًا يُشبه تكرار كلمة "هدهد"، ومنها أخذ اسمه.
الموطن والانتشار
ينتشر الهدهد في مناطق متعددة من العالم، خاصة في أفريقيا، الشرق الأوسط، أوروبا الجنوبية، وآسيا. يفضل العيش في المناطق المفتوحة مثل الحقول، البساتين، السهول، وأحيانًا أطراف الغابات. كما يمكن رؤيته بالقرب من المناطق الزراعية والريفية، حيث تتوفر له مصادر الغذاء.
الهدهد طائر مهاجر جزئيًا؛ فبعض أنواعه تقضي الشتاء في أفريقيا وتهاجر صيفًا إلى أوروبا وآسيا للتكاثر.
النظام الغذائي
يتغذى الهدهد على الحشرات واليرقات والديدان، كما يأكل بعض الزواحف الصغيرة أو الحشرات الضارة مثل الجراد والخنافس واليرقات التي تعيش في التربة. يلعب بذلك دورًا بيئيًا مهمًا في مكافحة الآفات الزراعية، ولهذا يعتبره الفلاحون طائرًا صديقًا.
يستخدم منقاره الطويل للبحث بين التربة أو تحت الصخور عن الحشرات، ويُعرف بأنه دقيق في اختيار فريسته.
التكاثر وبناء الأعشاش
يبدأ موسم التزاوج عادة في الربيع، حيث يجذب الذكر الأنثى بعروض الطيران والصوت. تضع الأنثى عادة بين 5 إلى 8 بيضات في عش داخل شق صخري، أو ثقب في شجرة، أو حتى داخل جدار مهجور.
من الأمور الطريفة أن أعشاش الهدهد قد تُصدر رائحة كريهة، وذلك بسبب مادة تفرزها الأنثى لحماية الصغار من المفترسات. تفقس الصغار بعد نحو 15 إلى 18 يومًا، ويبدأ الوالدان في تغذيتهم حتى يستطيعوا الطيران بعد حوالي شهر من الفقس.
الهدهد في القرآن الكريم والثقافة
يحظى الهدهد بمكانة خاصة في القرآن الكريم، حيث ورد ذكره في قصة النبي سليمان عليه السلام، حين أبلغه الهدهد بأمر مملكة سبأ وملكتها بلقيس، قائلًا:
"فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَم تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ"
(سورة النمل، الآية 22)
هذا الظهور جعل الهدهد رمزًا للحكمة، والبصيرة، والبلاغة، كما أنه يُمثل طائرًا مبشرًا بالخير في الثقافة الشعبية.
في الأدب العربي القديم، كثيرًا ما يُستشهد بالهدهد كرمز للفطنة والذكاء، وفي بعض الأساطير الصوفية يُصور كدليل للمحبين في طريقهم إلى الحقيقة.
السلوك والدفاع عن النفس
رغم مظهره الهادئ، إلا أن الهدهد يستطيع الدفاع عن نفسه بطرق ذكية، منها:
-
إفراز رائحة كريهة من غدة قرب الذيل، لطرد المفترسات.
-
استخدام صراخه الحاد كوسيلة تحذير.
-
الهروب بالطيران المراوغ بشكل غير منتظم ليصعب على الطيور الجارحة الإمساك به.
الحفاظ على الهدهد
الهدهد ليس من الطيور المهددة عالميًا، ويُصنف ضمن الطيور "الأقل قلقًا" من حيث الانقراض حسب تصنيفات الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN). ومع ذلك، فإن تدمير المواطن الطبيعية، وتلوث البيئة، والصيد الجائر في بعض المناطق قد يهدد تواجده مستقبلاً.
طائر الهدهد ليس مجرد طائر جميل الشكل فحسب، بل هو كائن ذكي، مفيد للبيئة، وله جذور عميقة في الثقافة والدين والتاريخ. مظهره الفريد وسلوكه المثير يجعلانه من الطيور التي تستحق الاهتمام والمراقبة، بل والحماية أيضًا. فكل هدهد يحلق في السماء، هو شاهد حي على روعة الخلق، وتوازن الطبيعة، وجمال التنوع الحيوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق