حين تكون الأم سببًا في انهيار الأسرة دون أن تدري : رسالة توعوية للأمهات



مقدمة


الأسرة هي النواة الأولى لتشكيل شخصية الإنسان ، وهي المزرعة الأولى التي تنمو فيها مشاعر الطفل تجاه نفسه وتجاه الآخرين . 

وفي قلب هذه الأسرة ، تقف الأم باعتبارها القلب النابض والظل الدافئ ، الذي يُغلف الأبناء بمشاعر الحنان والأمان .

لكن ما لا تدركه كثير من الأمهات ، هو أن المشاعر التي تُخفيها في صدرها – أو تُظهرها دون وعي – تجاه شريك حياتها ، قد تكون كفيلة بهدم هذا الكيان كله ، وتلويث وجدان الأبناء ، حتى دون أن تنوي ذلك أو تقصده .


الخلافات الزوجية : عندما تصبح مشهدًا يوميًا صامتًا

من الطبيعي أن تشهد أي علاقة زوجية خلافات ، فذلك جزء من النضج والتفاعل البشري . 

ولكن حين تتحول تلك الخلافات إلى مشاعر دائمة من الكراهية أو الرفض ، وتبدأ الأم في نقل هذه المشاعر إلى الأبناء ، فإن الكارثة تتسلل إلى جدران البيت بهدوء قاتل .


البيت يبدو ظاهريًا مستقرًا : الأب يذهب إلى عمله ، والأم تدير شؤون المنزل ، والأبناء يذهبون إلى المدرسة .

لكن خلف هذا المشهد ، هناك قلوب تنزف في صمت ، ووجدان يتصدع ، وأبناء يتعلمون كيف يكرهون دون أن يفهموا لماذا ، وكيف يحتقرون أحد والديهم دون أن يملكوا الصورة الكاملة .

الأم .. حين تزرع الكراهية دون أن تدري

حين تُكثر الأم من الشكوى ، وتُظهر الحزن أمام أبنائها ، أو تذرف الدموع وهي تذكر والدهم ، فإنها – دون وعي – تُحملهم عبئًا نفسيًا هائلًا .

الطفل لا يملك أدوات التحليل أو الإدراك الكامل ، كل ما يعرفه أنه يحب أمه ، ويرى أمه حزينة ، فيصدق أن الأب هو السبب .

ويبدأ من هنا انهيار الصورة الذهنية للأب ، ليس كشخص فقط ، بل كرمز للحماية ، والرجولة ، والدعم العاطفي .


النتائج؟


أبناء يُغلقون أبواب غرفهم ، لا على خصوصيتهم ، بل على أرواحهم المكسورة .


أبناء يفقدون الثقة في قيمة الزواج ، ويخافون من تكرار تجربة آبائهم .


أولاد لا يحترمون آباءهم ، فينمو داخلهم تمرد لا يتوقف .


وبنات يفقدن الشعور بالأمان والثقة في الرجال عمومًا ، لأن أول رجل في حياتهن – الأب – تم تشويهه في نظر الأم .



الفرق بين الألم والمسؤولية


لا أحد يطلب من الأم أن تُجمل الواقع أو تنكر ما تعانيه ، ولكن المطلوب هو الوعي بأن الأم ليست فقط زوجة موجوعة ، بل أم مسؤولة عن تشكيل الوجدان العاطفي والنفسي لأولادها .


حين تكره الأم زوجها وتُعلن ذلك – بالكلمات أو الإيماءات أو الصمت المشحون – فإنها لا تهاجمه فقط ، بل تهدم صورة الأبوة في نفوس الأبناء ، وتهز أعمدة البيت من أساسها .


الرسالة التربوية : كيف تتصرف الأم بحكمة؟


1. الفصل بين العلاقة الزوجية ودور الأب :

مهما كان الخلاف بينكِ وبين زوجكِ ، احرصي ألا تنتقل مشاعرك إلى الأبناء . 

فالأب قد يكون زوجًا صعبًا ، لكنه يبقى أبًا ، وله مكانته التي يجب أن تُصان في أعين أولاده .



2. الاحترام الظاهري ضرورة نفسية :

حتى في الخلاف ، أظهري الاحترام المتبادل . 

لا تُهيني ، لا تشتكي ، لا تنقلي تفاصيل النزاع أمامهم . 

لأنهم سيتشربون هذه المشاهد كجزء من النموذج الأسري الطبيعي ، وسيعيدون إنتاجه مستقبلًا .



3. الصمت الحكيم خيرٌ من الكلام المؤذي :

إذا لم تستطيعي التعبير عن مشاعر إيجابية تجاهه ، فالتزمي الصمت النبيل . 

لا تُشركي أبناءكِ في صراعكِ ، فهم ليسوا أطرافًا فيه ، بل هم الضحايا الأبرياء .



4. تقديم صورة متوازنة للأب :

حاولي دائمًا أن تظهري لهم الجانب الإيجابي فيه . 

حدثيهم عن مسؤولياته ، عن اجتهاده ، حتى لو كنتِ غير راضية تمامًا . 

فأنتِ تُربين أبناء ، لا تُحاسبين رجُلًا .



5. اطلبي المساعدة النفسية أو الأسرية :

في حال عجزتِ عن التحكم في مشاعركِ أو الانفصال العاطفي عن الخلاف ، لا تترددي في طلب المساعدة من مستشار أسري أو مدرب حياة متخصص ، فالعلاج المبكر يُجنب الجميع خسائر أكبر .


كلمة ختامية


البيت ليس جدرانًا وأثاثًا ..

البيت روح ، والأم هي قلبها النابض .


فإن امتلأ القلب بالغضب والكراهية ، انعكس ذلك على كل ما فيه .

وإن تزين بالحكمة والصبر ، بقيت جذور الأمان ممتدة في نفوس الأبناء ، حتى وإن عصفت الخلافات فوق السطح .


الأم مدرسة كما قال الشاعر ، لكنها أيضًا مرآة .

فكوني مرآةً تعكس النور ، لا مرآةً مشروخة تعكس الألم فقط .


-بقلم✍🏽:

المهندس/ خالد مصطفى الصديق الفزازي

-مدرب تنمية بشرية – باحث في قضايا العلاقات الأسرية وبناء الإنسان



تعليقات