«مدونة منوعة تُقدّم مقالات، حقائق، أبحاث، ومراجعات أفلام وثائقية. محتوى قيم ومُرتّب يناقش مفاهيم في الثقافة، التعليم، والعلم بأسلوب جذّاب ومُوّثَق.

اخر الاخبار

الاثنين، 14 يوليو 2025

حين تكون الأم سببًا في انهيار الأسرة دون أن تدري : رسالة توعوية للأمهات



مقدمة


الأسرة هي النواة الأولى لتشكيل شخصية الإنسان ، وهي المزرعة الأولى التي تنمو فيها مشاعر الطفل تجاه نفسه وتجاه الآخرين . 

وفي قلب هذه الأسرة ، تقف الأم باعتبارها القلب النابض والظل الدافئ ، الذي يُغلف الأبناء بمشاعر الحنان والأمان .

لكن ما لا تدركه كثير من الأمهات ، هو أن المشاعر التي تُخفيها في صدرها – أو تُظهرها دون وعي – تجاه شريك حياتها ، قد تكون كفيلة بهدم هذا الكيان كله ، وتلويث وجدان الأبناء ، حتى دون أن تنوي ذلك أو تقصده .


الخلافات الزوجية : عندما تصبح مشهدًا يوميًا صامتًا

من الطبيعي أن تشهد أي علاقة زوجية خلافات ، فذلك جزء من النضج والتفاعل البشري . 

ولكن حين تتحول تلك الخلافات إلى مشاعر دائمة من الكراهية أو الرفض ، وتبدأ الأم في نقل هذه المشاعر إلى الأبناء ، فإن الكارثة تتسلل إلى جدران البيت بهدوء قاتل .


البيت يبدو ظاهريًا مستقرًا : الأب يذهب إلى عمله ، والأم تدير شؤون المنزل ، والأبناء يذهبون إلى المدرسة .

لكن خلف هذا المشهد ، هناك قلوب تنزف في صمت ، ووجدان يتصدع ، وأبناء يتعلمون كيف يكرهون دون أن يفهموا لماذا ، وكيف يحتقرون أحد والديهم دون أن يملكوا الصورة الكاملة .

الأم .. حين تزرع الكراهية دون أن تدري

حين تُكثر الأم من الشكوى ، وتُظهر الحزن أمام أبنائها ، أو تذرف الدموع وهي تذكر والدهم ، فإنها – دون وعي – تُحملهم عبئًا نفسيًا هائلًا .

الطفل لا يملك أدوات التحليل أو الإدراك الكامل ، كل ما يعرفه أنه يحب أمه ، ويرى أمه حزينة ، فيصدق أن الأب هو السبب .

ويبدأ من هنا انهيار الصورة الذهنية للأب ، ليس كشخص فقط ، بل كرمز للحماية ، والرجولة ، والدعم العاطفي .


النتائج؟


أبناء يُغلقون أبواب غرفهم ، لا على خصوصيتهم ، بل على أرواحهم المكسورة .


أبناء يفقدون الثقة في قيمة الزواج ، ويخافون من تكرار تجربة آبائهم .


أولاد لا يحترمون آباءهم ، فينمو داخلهم تمرد لا يتوقف .


وبنات يفقدن الشعور بالأمان والثقة في الرجال عمومًا ، لأن أول رجل في حياتهن – الأب – تم تشويهه في نظر الأم .



الفرق بين الألم والمسؤولية


لا أحد يطلب من الأم أن تُجمل الواقع أو تنكر ما تعانيه ، ولكن المطلوب هو الوعي بأن الأم ليست فقط زوجة موجوعة ، بل أم مسؤولة عن تشكيل الوجدان العاطفي والنفسي لأولادها .


حين تكره الأم زوجها وتُعلن ذلك – بالكلمات أو الإيماءات أو الصمت المشحون – فإنها لا تهاجمه فقط ، بل تهدم صورة الأبوة في نفوس الأبناء ، وتهز أعمدة البيت من أساسها .


الرسالة التربوية : كيف تتصرف الأم بحكمة؟


1. الفصل بين العلاقة الزوجية ودور الأب :

مهما كان الخلاف بينكِ وبين زوجكِ ، احرصي ألا تنتقل مشاعرك إلى الأبناء . 

فالأب قد يكون زوجًا صعبًا ، لكنه يبقى أبًا ، وله مكانته التي يجب أن تُصان في أعين أولاده .



2. الاحترام الظاهري ضرورة نفسية :

حتى في الخلاف ، أظهري الاحترام المتبادل . 

لا تُهيني ، لا تشتكي ، لا تنقلي تفاصيل النزاع أمامهم . 

لأنهم سيتشربون هذه المشاهد كجزء من النموذج الأسري الطبيعي ، وسيعيدون إنتاجه مستقبلًا .



3. الصمت الحكيم خيرٌ من الكلام المؤذي :

إذا لم تستطيعي التعبير عن مشاعر إيجابية تجاهه ، فالتزمي الصمت النبيل . 

لا تُشركي أبناءكِ في صراعكِ ، فهم ليسوا أطرافًا فيه ، بل هم الضحايا الأبرياء .



4. تقديم صورة متوازنة للأب :

حاولي دائمًا أن تظهري لهم الجانب الإيجابي فيه . 

حدثيهم عن مسؤولياته ، عن اجتهاده ، حتى لو كنتِ غير راضية تمامًا . 

فأنتِ تُربين أبناء ، لا تُحاسبين رجُلًا .



5. اطلبي المساعدة النفسية أو الأسرية :

في حال عجزتِ عن التحكم في مشاعركِ أو الانفصال العاطفي عن الخلاف ، لا تترددي في طلب المساعدة من مستشار أسري أو مدرب حياة متخصص ، فالعلاج المبكر يُجنب الجميع خسائر أكبر .


كلمة ختامية


البيت ليس جدرانًا وأثاثًا ..

البيت روح ، والأم هي قلبها النابض .


فإن امتلأ القلب بالغضب والكراهية ، انعكس ذلك على كل ما فيه .

وإن تزين بالحكمة والصبر ، بقيت جذور الأمان ممتدة في نفوس الأبناء ، حتى وإن عصفت الخلافات فوق السطح .


الأم مدرسة كما قال الشاعر ، لكنها أيضًا مرآة .

فكوني مرآةً تعكس النور ، لا مرآةً مشروخة تعكس الألم فقط .


-بقلم✍🏽:

المهندس/ خالد مصطفى الصديق الفزازي

-مدرب تنمية بشرية – باحث في قضايا العلاقات الأسرية وبناء الإنسان



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق